بهتشلي وأوجلان- مفاجأة تركية في المسألة الكردية وتحديات السلام

المؤلف: كمال أوزتورك10.04.2025
بهتشلي وأوجلان- مفاجأة تركية في المسألة الكردية وتحديات السلام

منذ ثلاثة عقود خلت، قمت بجولة مكثفة كصحفي متجول في أرجاء المدن التركية التي تحتضن غالبية السكان الأكراد، بدءًا من مدينة "فان" الواقعة في أقصى الشرق وصولًا إلى مدينة "مرسين" المترامية الأطراف في الغرب. ومنذ ذلك الحين، وأنا أولي اهتمامًا بالغًا وتركيزًا شديدًا بالمسألة الكردية المعقدة، وبقضية الإرهاب وتداعياتها الإقليمية المتشعبة، حتى أصبحت زياراتي المتكررة لتلك المنطقة لا تحصى ولا تعد.

وفي الفترة الراهنة، تشهد الساحة التركية مناقشات معمقة وجادة حول القضية الكردية، وهو تطور ذو أهمية بالغة على الصعيدين الإقليمي والدولي على حد سواء.

تصريحات دولت بهتشلي المدهشة

قبل خمسة عشر عامًا، عندما شرع حزب العدالة والتنمية في إطلاق مبادرات إصلاحية بهدف إيجاد حل للقضية الكردية، كان رئيس حزب الحركة القومية، دولت بهتشلي، من أشد المعارضين وأكثر المنتقدين شراسة لهذه الجهود. وحتى بعد تحالفه الوثيق مع حزب العدالة والتنمية في 15 يوليو/ تموز 2016، ظل متمسكًا بموقفه المتصلب تجاه حزب الشعوب الديمقراطي الذي يمثل شريحة واسعة من الأكراد. كان بهتشلي يرفض بشكل قاطع أي شكل من أشكال التفاوض مع هذا الحزب، معللًا ذلك بأنه يمثل الذراع السياسي لحزب العمال الكردستاني، وغالبًا ما كان يبدي ردود أفعال عنيفة تجاهه.

لكن في الأسبوع الفائت، أثار دولت بهتشلي موجة من الدهشة والاستغراب بمصافحته الودية لنواب حزب الشعوب الديمقراطي في البرلمان، مشيرًا إلى الحاجة الملحة لتهدئة الأجواء السياسية المتوترة. وبينما كانت الساحة السياسية تعج بالجدل والنقاش حول هذه المصافحة غير المتوقعة، فاجأ بهتشلي الجميع مرة أخرى بتصريح مدوٍ خلال اجتماع كتلته الحزبية، إذ ألمح إلى إمكانية إطلاق سراح عبدالله أوجلان، المؤسس التاريخي لحزب العمال الكردستاني والمحكوم عليه بالسجن المؤبد منذ 25 عامًا، شريطة أن يوافق على حل التنظيم بشكل نهائي ووقف جميع أشكال الإرهاب، حتى يتمكن من التحدث بحرية في البرلمان ضمن كتلة حزب الشعوب الديمقراطي.

وبعد يوم واحد فقط من تصريح دولت بهتشلي المثير للجدل، تم ترتيب لقاء خاص بين عبدالله أوجلان، المحتجز في سجن جزيرة إيمرالي، وابن أخيه، النائب عن حزب الشعوب الديمقراطي، عمر أوجلان. وخلال هذا اللقاء، نقل أوجلان من خلال ابن أخيه رده على اقتراح بهتشلي قائلًا: "العزلة مستمرة ومفروضة علينا. وإذا ما توفرت الظروف المناسبة، فإنني أمتلك القوة النظرية والعملية اللازمة لنقل هذا المسار من أرضية الصراع والعنف الدامي إلى أرضية قانونية وسياسية مستقرة". هذه التطورات المفاجئة والمتلاحقة زادت من الزخم الهائل الذي أثارته تصريحات بهتشلي.

الصدمة العارمة داخل حزب العمال الكردستاني

لقد فاجأ تصريح دولت بهتشلي، المعروف بمواقفه القومية المتصلبة والراسخة، جميع الأطراف في تركيا. ووجد السياسيون والمحللون صعوبة بالغة في تقديم تفسيرات منطقية ومقنعة لهذه الخطوة غير المتوقعة. ومع ذلك، كان الأثر الأكبر والأعمق داخل حزب العمال الكردستاني والفصائل المتعددة المرتبطة به. فبعد سلسلة من ردود الفعل السلبية الغاضبة، صرح بعض الأعضاء بأنه "إذا ما قبل عبدالله أوجلان بذلك، فسوف نقبل نحن أيضًا". لكن حالة من الارتباك الشديد والفوضى العارمة اجتاحت قيادات الحزب المتمركزة في قنديل، وروجافا، ومختلف أنحاء أوروبا.

في البداية، أظهر حزب الشعوب الديمقراطي دعمه المبدئي لاقتراح بهتشلي، لكنه سرعان ما تراجع عن ذلك في بيان جديد يعارضه بعبارات معقدة وملتوية. ولا يزال الحزب غير متأكد من موقفه النهائي والواضح، حيث إن رفض المقترح يعني استمرار اعتقال أوجلان وعدم إطلاق سراحه، بينما القبول به يعني التخلي عن السلاح ونبذ العنف بشكل كامل.

صعوبة جمة في تخلي الحزب عن السلاح

حتى في حال دعا أوجلان إلى التخلي عن السلاح بعد خروجه من السجن، فإن هناك عقبات جدية وكبيرة تعترض طريق قبول حزب العمال الكردستاني بهذا الأمر بسهولة ويسر.

الأسباب الرئيسية لذلك هي كالتالي:

  • يتواجد حزب العمال الكردستاني في مواقع جغرافية متعددة، منها جبال قنديل الوعرة في العراق، ومنطقة روجافا المترامية الأطراف في سوريا، وفي ألمانيا كذلك، مع وجود تنافس حاد ومستمر بين هذه المحاور المختلفة في السنوات الأخيرة. وقد أصبح الصراع بين القوى المسلحة في قنديل وروجافا صراعًا علنيًا لا يمكن إخفاؤه، حيث تربط روجافا علاقات وثيقة واستراتيجية مع الولايات المتحدة وإسرائيل، وتتلقى دعمًا عسكريًا ولوجستيًا كبيرًا من الولايات المتحدة، مع توفير الحماية الكاملة لقواعدها العسكرية.

بينما يتأثر جناح الحزب في قنديل بإيران بشكل كبير ويحاول توجيه الدفة السياسية في السليمانية. أما الجناح الأوروبي، فهو مندمج بشكل كامل مع ألمانيا ويتم من خلاله إدارة الأنشطة المالية والاجتماعية المعقدة. لذلك، فإن دولًا مثل إيران، والولايات المتحدة، وإسرائيل، وألمانيا، لها تأثير قوي وحاسم على قرار الحزب، ولن توافق بسهولة على تخليه عن السلاح؛ بسبب الدور المحوري الذي يلعبه الحزب كأداة ضغط في مواجهة تركيا ودول المنطقة.

  • قادة حزب العمال الكردستاني البارزون، مثل: مراد قره يلان، وجميل باييك، ودوران كالكان، الذين لم يعرفوا سوى حياة القتال والتنقل في الجبال الوعرة منذ أربعين عامًا، يخشون بشدة من المجهول في حال تخليهم عن السلاح ونبذهم للعنف. هؤلاء القادة يؤثرون بشكل كبير على آلاف المقاتلين الذين يعتمدون بشكل كامل على القتال من أجل استمرار وجودهم وبقائهم، ويعتقدون اعتقادًا جازمًا أن حلّ القوات المسلحة في قنديل يعني نهايتهم المحتمة، مما سيدفعهم إلى معارضة هذا القرار بشدة.
  • في روجافا، تحوّل ما يقرب من 80 ألف مقاتل مدعوم من الولايات المتحدة إلى جيش شبه منظم، ويعتبرون أنفسهم قوة حديثة ومتطورة مقارنة بجناح قنديل القديم والمتهالك. وهناك شكوك كبيرة حول قدرة أوجلان على التأثير على التنظيم في روجافا لدفعه إلى ترك السلاح والعودة إلى الحياة المدنية. وإذا ترك جناح قنديل السلاح ورفضت روجافا ذلك، فالسؤال الذي يطرح نفسه بقوة هو ما الذي سيحدث لاحقًا؟ هذا السؤال يبقى بلا إجابة شافية، كما أن مصير الأسلحة الأميركية المتطورة والذخيرة الهائلة غير معروف على الإطلاق.
  • بعد الهجمات الإسرائيلية المتكررة في لبنان، وغزة، وإيران، وسوريا، يعتقد الأكراد في حزب العمال الكردستاني وحلفاؤهم أن هناك تغييرات جذرية تحدث في خرائط المنطقة، ويرون في هذا الوضع المضطرب فرصة ذهبية لتحقيق حلمهم الكبير بإنشاء دولة كردستان المستقلة، معتبرين أن الفوضى الحالية والتغيرات الجيوسياسية المتسارعة تشكل فرصة سانحة لتحقيق هذا الهدف المنشود، ولذلك يرون أن التخلي عن السلاح والتصالح مع تركيا ليس في مصلحتهم على الإطلاق.

لماذا تم اتخاذ خطوة مفاجئة وغير متوقعة كهذه؟

يعتقد الرئيس أردوغان اعتقادًا راسخًا أن عدوان إسرائيل لن يتوقف عند هذا الحد، وأن الدور سيأتي على سوريا بعد لبنان، مما سيجعل إسرائيل في مواجهة مباشرة مع تركيا.

ويشير أردوغان بوضوح إلى أن حلم "إسرائيل الكبرى" يشمل أجزاء من الأراضي التركية، ويؤمن بأن إسرائيل تطمح في نهاية المطاف للاستيلاء على أراضي تركيا. هناك تقييم استراتيجي بأن جيش حزب العمال الكردستاني/ وحدات حماية الشعب، الذي يتألف من 80 ألف مقاتل تحت السيطرة الكاملة للولايات المتحدة وإسرائيل في سوريا، سيهاجم تركيا ويثير الفوضى والاضطرابات الداخلية عبر استغلال الأكراد.

لهذا السبب تحديدًا، قام أردوغان بخطوة استباقية تهدف إلى سحب هذه الورقة الخطيرة من يد الولايات المتحدة وإسرائيل، ومنع تقسيم سوريا وإعلان دولة كردية مستقلة في روجافا. ومن أجل تعزيز السلام والتضامن الداخلي في تركيا، سعى أردوغان للتقرب من الأكراد، وكانت الخطوة الأولى نحو هذا التقارب من خلال حليفه المقرب في الحكم، دولت بهتشلي، الذي قام بخطوة غير متوقعة على الإطلاق غيّرت الأجندة السياسية بالكامل.

ومع ذلك، فإن الوصول إلى النتيجة المنشودة وتحقيق الأهداف المرجوة لن يكون أمرًا سهلًا على الإطلاق، بل يتطلب الكثير من الجهد والعمل الدؤوب.

سياسة الخصوصية

© 2025 جميع الحقوق محفوظة